أين أنا..!!!؟

ديسمبر 9, 2007 أضف تعليق Go to comments

بعد شبه غفوة أفتح عيناي الشبه مغمضتان.. فأجد نفسي محشوراً بين جموع الناس.. أمواج بشرية تتحرّك يمنة ويسرة، تتقاذفني هنا وهناك. صرت أحرّك يداي أحاول السباحة إذ ظننت للحظات أنني في عرض البحر.. كلا هذا ليس بحراً.. ولا حتى مسبحاً..!

 

أين أنا يا ترى؟!

 491416016_28850ff145.jpg

ربما نكون في مسيرة شعبية (عفوية كالعادة) من أجل انتخابات مجلس الشعب أو حتى الاستفتاء أو حتى من أجل ختان نجل الرئيس الجديد.. بدأت عندها بالهتاف – بشكل لا إرادي طبعاً-: بالروح.. بالدم.. وهكذا.. إلى أن رمقني أحدهم بنظرة خفت منها كثيراً فصمتُّ إذ لم يكن هناك صوت بشري آخر إلا صوتي في الجوار.. أواه لسنا في مسيرة إذاً..

 

هناك أزيز يشبه أزيز الطائرات.. وصوتٌ هائل غير بشري بكل تأكيد يعربد ويزمجر.. كميركافا روسية ثقيلة، وبين الفينة والأخرى صوت بوق ضخم، أشبه ما يكون بمحرك طائرة نفاثة تبعد عني عشرة سنتميترات، أو قنبلة من مدفع نمساوي.. ترى ما الذي يحدث..!!!

 

تزداد الأمواج البشرية ويزداد الضغط على جسدي النحيل.. تباً هذه هي المرة الثانية التي أكره فيها قِصر قامتي بين هذه الجموع التي لا تكفّ عن الضغط على قدماي وبأوزانٍ ثقيلة.. المرة الأولى كانت عندما حاولت في إحدى المرات تقبيل صديقتي فكانت أطول مني فاستحييت أن أقدم على هذه الخطوة لما فيها من عواقب تبدو وخيمة على المدى البعيد..

 

ما زال الضغط يزداد وتكاد روحي تُزهق من شدّة الزحام.. أتلفت يمنة ويسرة والعرق بدأ يتصبب مني في يومٍ صيفي لاهب.. وأخوتي البشر الذين هم حولي يبدو أن الفقر المدقع وسرقة أصحاب الكراسي لم يسمح لهم بشراء مزيل للرائحة.. اندمجت الروائح العطرية بعرق كالمطر يتساقط يمنة ويسرة.. أحاول أن أنظر الى الوجوه لأتعرف الى شخص ما.. لكن عبثاً فالكلّ هنا بوجوه متجهّمة متكدّرة.. حتى لم أستطع التمييز بين الذكر والأنثى والطفل والشيخ..

 

نعم.. ربما نحن في معركة.. والكل هنا يضرب يمنة ويسرة.. ووجهي الذي يبدو أن صاحبه لم يأكل منذ أربع سنوات قد أكل من ضرب (الأكواع) ما لذّ وطاب.. لكنني لا أستطيع أن أرفع يدي وكوعي لأرد الضرب فأنا أدفع بكلتا يدي عن صدري حتى أتنفس قليلاً من الأوكسجين.. حسناً لسنا في معركة إذاً..

 

ومع ازدياد الزحام والضغط.. بدأت أفقد الإحساس بنفسي، وتيقنت أنني سأموت لا محالة، بدأت أتلو كل ما أعرفه من مقدّسات بكل اللغات واللهجات التي أعرفها والمسطورة في الكتب السماوية وغير السماوية التي قرأتها.. ابتداءاً من القرآن والتوراة والإنجيل وديانات الهند والباكستان وتورا بورا.. وبوذا وزرادشت و

 

أواه ربي.. أوَنكون في يوم الحشر؟!! ربما.. إذ أنني أحس أنني أموت ههنا.. عادةً يمرّ شريط ذكريات الإنسان أمام عينيه باقتراب الموت.. لكن لا شريط ولا مسلسلات ولا حتى أفلام قصيرة تمرّ أمام عيني..

 

تساءلت كثيراً بيني وبين نفسي.. هل سأموت هكذا؟ (فعساً) و(دعساً)؟!! ليست هذه النهاية التي حلمت بها.. ليتني سمعت كلام شيخ الجمعة وهو يدعوني إلى تفجير نفسي في وسط سوق ما.. لقتل بعض العملاء على الأقل.. أو ليتني قمت بعملية استشهادية في مكان ما.. وليت أحدهم اغتالني في لبنان لتصدّرت الصحف.. أو حتى على الأقل كنت متُّ من أنفلونزا الطيور وأدرجت اسمي في سجلّ الأموات العالمي بهذا الداء.. بل ربما متُّ في إحدى سجون بلادي لرفعت مرتزقة المعارضة اسمي وأقامت لي ضريحاً محاولةً إلصاقي بهم.. أو أي طريقة أخرى..

 

لكن.. هذه طريقة بشعة للموت لا عبرة فيها ولا هدف..!! مجرّد فعس ودعس وموت..

 

بَنَفس شبه منقطع رفعت رأسي للمرة الأخيرة أسأل الشخص المجاور: أين أنا؟! فيرد قائلاً بغضب: في جهنم.. ثم يذيلها بجملة (تضرب بهالرَّاس)!!

 

عند ذلك خارت قواي.. وتيقنت أني ميت لا محالة

 

وشيئاً فشيئاً ضعفت قدماي وصرت أسقط وأنفاسي تخف تدريجياً.. وأنا أتمتم:

 

أين أنا؟!! فليقل لي أحدكم أين أنا بحق السماء؟!!

 

أين أنا؟!

 

أين أنـ…اااا

 

ملاحظة: على من يعرف أين (أنايَ) تلك الرجاء الإجابة.

التصنيفات :ضحك كالبكاء
  1. ديسمبر 10, 2007 عند 3:49 ص

    إنت ب”المصعد” تبع المالية رايح لتشوف شو هو التبليغ المالي الجديد…دبل أو تربل, بس لا تعب حالك ما حتلاقي الموظف لأنه الساعة 10 و نص و صرلو من ال9 عم يشتغل…. بترضاها؟! لا و الله هيك ظلم!

  2. ديسمبر 11, 2007 عند 12:04 ص

    دائماً تسحرني بأسلوبك الرشيق. أعتقد أن أناك مثل أناي مثل الكثير من الأنات والآهات، تائهة بين جموع غفيرة من اللامبالاة والاستقالة والاستكانة. ورجائي الخاص لك، إن يوماً وجدت أناك فدلني عسى أجد أناي بجانب أنقاض أناك.
    دمت بخير

  3. medaad
    ديسمبر 11, 2007 عند 10:38 م

    Dania
    هههههههه.. ربما.. مَن يدري.. ربما أكون في حافلة أيضاً..
    سعدت بمروركِ.. ابق في الجوار..

    The Free Man ..
    أيها الرائع.. يسعدني دائماً وجودك في الجوار..
    لكَ كل الود أيها العزيز..

  4. rafi9
    ديسمبر 12, 2007 عند 8:53 ص

    وراء سؤال المكان تتداعى احتمالات حقيقة نكاد نلمس انكساراتها….
    لغتك الراصدة ايضا تقوم بازاحة تؤيد انهمار كل الاسئلة الخامدة…
    اين اذن تنتصب الحقيقة مع كل هذا الابهام الرائع ؟!…قطعا خلف حالة التيه المدهش ذلك الذي نعيشه كلنا على امتداد خرائط البؤس والضياع…..
    …………..يذهلني هذا السرد الفائق يا رفيقي….
    ……………….ثيمة النص :ذاك التيه هو من يعمقنا بكل آلامه…. يفتننا بعشق الخلاص رغم كل التباسات الحواس و فيض المرارة….

    كل مرة المس لديك اسلوبا اكثر تأصلا….هنا يارفيق اختبر غبطة خاصة جديدة….فليدم تواصلنا..
    تركت تعليقا سابقا لكنه ربما لم يظهر……انتظر ان تعبر جسر تواصلنا هذه المرة..
    نضد هذه الكلمات مدون ما من :www.ssakhra.wordpress.com

  5. جانفي 10, 2008 عند 5:00 م

    اولا هل تعرف من انت؟كي تعرف اين انت.

  6. medaad
    جانفي 10, 2008 عند 9:29 م

    فجر..
    يا رفيقي الرائع.. كم أغبطني على معرفتك..
    مفتون بك حتى الثمالة..

    الأميرة الحرة..
    ربما أنت على حق عليّ أن أعرف نفسي قبل أن أعرف مكاني..
    لك كل الود

  7. أم قيس
    جانفي 16, 2008 عند 12:35 م

    نحن كلنا في ضياع
    باختصار انت وانا والجميع
    في دهاليز عربية
    اعرف اين انا لكي اعرف اين انت!!!

    وانا ايضا اضعت نفسي… اين انا؟

  8. محمد
    مارس 10, 2008 عند 8:57 ص

    اين انامن الجنوب

  9. طه
    جوان 25, 2008 عند 8:14 م

    أنا وهم وأنت وهم
    في البيوت مقرفين قبيحين وفي الشارع جميلين
    في الحوار نخبأ القبيح و نظهر الجميل . نستخدم الوقف عن الكلام حتى نخبأ قباحتنا ونصطنع الغضب والفرح والإتزان ليأخذ الحلم مجراه في الشارع أوأي مكان خارج البيت
    أنا بشع عند الاستيقاظ وجميل في الجامعة

  10. غير معروف
    أوت 24, 2008 عند 8:15 ص

    انت معي في نفس المكان

  11. Asma
    أوت 26, 2008 عند 12:57 ص

    اكيد كنت في المترو في مصر في ساعة الذروة

    ربنا ما يزنقك الزنقة دية ابدا

  12. Ammar solieman
    جانفي 27, 2009 عند 3:42 ص

    ياصاحبي أناغريق في بحرالأحزان وفي هموم الدنيا أين أنا

  13. جانفي 27, 2009 عند 3:43 ص

    انت في حفظ الله

  1. No trackbacks yet.

اترك رداً على العبدي إلغاء الرد