ثرثرة منظمة..

ديسمبر 13, 2008 أضف تعليق Go to comments

سائقنا هذا اليوم أربعيني ومن خلال ذقنه التي أطلقها بترتيب يبدو مليئاً بالحكمة، ولكن ما كلّ ما يلمع ذهباً كالعادة..
بعد فاصل قصير توقفنا فيه عند إشارة المرور بدأ صديقنا السائق بالحديث العام حول كل شيء وأي شيء يخطر بباله ولا انسى أنه كان يتحدث حول العيد وضغوطاته وانتهاء المؤونة وشراءه لـ(المازوت) بدلاً من شراءه ثياب جديدة لأطفاله..
شيئاً فشيئاً تقمّص روح (موليير) وأخذ يسرد ما جادت به قريحته من فنون الحديث واللقطات المسرحية التي مرّ بها، بعد قليل لبس جبّة (أديسون) وأخذ يعطي حلولاً لقضايا ثقب الأوزون فوق (استراليا) وتارة أخرى تحول إلى باحث اجتماعي ثم سياسي محنك يفرد تفاصيلاً وحلولاً لمشاكل الفقر في العالم العربي في زخّ من الموضوعات المتتالية والمتقافزة..
ولنقطع عليه أحاديث اللاجدوى التي كان يتحفنا بها اقترحنا عليه أن يضع إحدى تلك الأشرطة التي بين يديه، وبالفعل سارع الرجل لتلبية رغبتنا بابتسامة عريضة..
صدح صوت عبد الباسط بالقرآن الكريم من سيارة الأجرة وأضاف إلى الجو لمسة روحانية، مرّ على صوته حوالي 50 ثانية، لا لا.. أحسبها كانت دقيقة كي لا أظلم الرجل.. لتمتد يده من جديد فيخنق صوت الرجل وهو لم يكمل السورة بعد!!
اقترح علينا أن نسمع الشريط الآخر، ليصدر بعد قليل صوت أحدهم يلقي خطبة ما بالصراخ تارةً والهدوء أخرى واللعب بنبرة الصوت ثالثة في دلالة واضحة للعب بالمشاعر لإقناع الطرف المستمع بما يريد أن يقول دون مخاطبة عقله، وصاحبنا السائق منسجم ولا يفتئ يقول: “الله أكبر.. يا سلام يا سلام..”.. “الله أكبر.. الله أكبر..”.. ومع انسجامه تحول من راوي قصص إلى شيخ وبدأ بنصحنا بما جادت به شفتاه..
ثم ما لبث أن غير الشريط الى آخر وآخر وآخر وهو يقول ما رأيكم بهذا وما رأيكم بذلك.. في حين كنا نحرك رأسنا ببلاهة شديدة دليل الموافقة ولسان حالنا يقول: “Whatever..”؟!!
– “كانت فكرة تحويل انتباهه من الحديث المتواصل إلى استخدام الصوت هي ثاني أغبى فكرة اقترحتها عليّ بعد اقتراحك فكرة ارتباطي بزوجتي.. انظر إليه إنه يتحدث والشريط يعمل في وقت واحد” همس صديقي في أذني بامتعاض..
– على كلِّ حال يا صديقي السائقون في هذه البلاد ودودون زيادة عن اللزوم ولا قانون يمنعهم من تبادل أي نوع من الأحاديث كما في بعض البلدان الأجنبية.. وكما ترى فهم يحبون أن يشاركوا قصصهم وتجاربهم مع الركاب والزبائن وإلا فالوقت لن يمضي خصوصاً مع جو الضجر والتململ السائد في المنطقة..
– هذا ليس ودّاً يا صديقي.. هذه ثرثرة منظمة.. لقد سبقوا النساء في الحديث بأشواط..
– وهل هناك ثرثرة غير منظّمة لتكون هذه منظمة؟!! أظن بأن هناك تناقضاً في الأمر.!!!
– إذا كان هناك ديمقراطية بالقوة فلا غرابة أن يكون هناك ثرثرة منظمة.. ثم ألم تسمع بالفوضى الخلاقة والفوضى المنظّمة؟!!
– ألم نقسم أمام (بوذا) عصر يوم الجمعة في عيد الفصح الماضي قبل مجيئنا إلى هنا بأننا لن نتحدث في السياسة..؟!!
– بلى بلى.. نعم فعلنا.. تباً لك..
– بل تباً لك..
– تباً لك..
– تباً لك..
..
..
..
الخ
———————————-
مواضيع ذات صلة:
– إنا خلقنا رجالاً صموتاً
– وعلى سيرة الحمار
– بدي احرئ حريشكون

التصنيفات :ضحك كالبكاء
  1. uramium
    ديسمبر 13, 2008 عند 7:03 ص

    بت ألعب دور الأصم في جلسات الوعظ في تكاسي دمشق رغم أني أحياناً أفكر بهم، وبالطريقة التي يقضون بها نهار عملهم، ماذا لو كان هذا الرجل صامتاً كل وقت عمله؟ هل يوجد في بلداننا من هو يقوم بعمله بصمت؟

  2. ديسمبر 13, 2008 عند 7:12 ص

    واو شي كتير حلو بس طيب حطوا حالكم محلوا كل الوقت بالسرفيس وبيكون السائق دايق خلقوا حرام عليكم وبيشوف كتير وقليل والغليظ وثقيل الدم
    بس بيبقى حكيون بيوجع الراس

  3. ديسمبر 13, 2008 عند 7:51 ص

    و لو يا مداد ليش مزعوج
    هي طلعت معك مقالة عن الحكواتي التي انتقل من قهاوي أيام زمان إلى سيارات الأجرة ، هونيك كان فيه شي تلاتين واحد عم يسمعوا ، هون إذا كترت خمسة ، لأنوا الشوفير ما فيه يحط فيها أكثر من هيك
    ، حكواتي بلاش و لمين صارت ؟!!!!

  4. ديسمبر 13, 2008 عند 7:57 ص

    جميل ماسطره قلمك المتفرد بافكاره الذهيبة. الذي يعطي لواقعنا نظرته الكرتونية التي نعشيها كل يوم… لن اشكرك على ماكتبته ولن ابدي اعجابي الباهر.. فليس غريبا عليك ابداعك….رغم تنوع موضوعاتك الغير مترابطة ستلتحم يوما ما لتشكل نموذجا رائعا لكل القراء…

    انتظر مدونتي قريبا التي ستهز عروش ال خليفة

  5. ديسمبر 13, 2008 عند 6:33 م

    اي اي تبا للسياسة، كثيرة محاولات الخلاص “الفاشلة” من هذه السوسة المؤذية بدون جدوى من طرفي الكريم.

    وعلى سيرة الحمار . . لما اطلع تكسي احب ان ابقى صامتا وفي حال اصر السائق على الثرثرة فإجابتي بدون سماع اي شيء من كلامه (أها، اي، والله، مضبوط)

  6. genin2002
    ديسمبر 15, 2008 عند 8:05 ص

    لك اشنري سياره وخلصني
    واسمع مرسال واميمه

    تبا لك

  1. No trackbacks yet.

أضف تعليق